المرأة التي جادلت الرسول في زوجها حتى نزل حكم الله

كان لها فضل كبير على المسلمين والمسلمات، فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون سببًا في تشريع حكم شرعي بالغ الأهمية للنساء، وله أهميته كذلك للرجال الذين يتسرعون في إطلاق أقوال يحرمها الشرع لما فيها من ظلم كبير للمرأة.

خولة بنت حكيم
خولة بنت حكيم

لقد سمعها السميع البصير يشكو حالها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كبرت في السن وولت أيام شبابها، وكانت طوال حياتها مثالًا للزوجة الوفية المخلصة، ترعى شؤون بيتها وتؤدي واجبها تجاه زوجها، وتبذل جهدها في تربية أبنائها. وبعد هذا كله، ينتهي بها الحال إلى أن تُحرَّم على زوجها في لحظة غضب وبكلمات غير مسؤولة.

 من هي خولة بنت حكيم؟

إنها خولة بنت حكيم، التي تزوجت من ابن عمها أوس بن الصامت، فكانت له خير زوجة، وكانت كباقي الصحابيات الكريمات نموذجًا للزوجة المسلمة المؤمنة البارة بزوجها، تحسن إليه وتعطف عليه وتجود عليه بالكثير من مالها، ولا تدخر وسعًا في إسعاده وإدخال السرور عليه، ولا تقصر في حقه عليها، وكانت تحبه وتطيعه في غير معصية الله عز وجل، رغم شدته في معاملتها في كثير من الأحيان.

وقد كان لهذه الصحابية الجليلة شأن عظيم عند الله عز وجل وعند رسوله صلى الله عليه وسلم وعند الصحابة المقربين رضي الله عنهم أجمعين.

إختلاف خولة مع زوجها وتحريمها عليه

ذات يوم، اختلفت خولة رضي الله عنها مع زوجها في أمر من أمور الحياة، فناقشته، فغضب وثار، وتلفظ بما كان يُقال في الجاهلية، فقال لها: "أنتِ عليّ كظهر أمي".

 تروي خولة قصتها قائلة: "كنتُ عنده، وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خُلُقه وضَجِر. فدخل عليّ يومًا فراجعته في شيء، أي ناقشته فيه، فغضب وقال: أنتِ عليّ كظهر أمي. ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليّ فإذا هو يريدني، فقلت: كلا والذي نفسي بيده، قد قلتَ ما قلتَ حتى يحكم الله ورسوله فينا.

 فوثب فامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه".

 تضيف الصحابية الجليلة خولة: "قلت يا رسول الله، زوجي فعل وفعل، وقد كبرت سني ووهن عظمي ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن أبقيتهم معي جاعوا". فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا خولة، ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه". ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لخولة: "أراك قد حرمت عليه" أو لعله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أراك إلا قد حرمت عليه".

نزول الوحي على رسول الله في حقها وزوجها

فظلت خولة تراجعه مرارًا، ثم قالت: اللهم إني أشكو إليك شده وجدي وما شق علي من فراقه اللهم انزل على لسان نبيك ما يكون لنا فيه فرج.

قالت عائشة رضي الله عنها: "فلقد بكيت وبكى من كان معنا من أهل البيت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي". فجاء الوحي بالمدد من السماء. تقول خولة: "فوالله ما برحت حتى نزل في القرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه". فقالت عائشة: "يا خولة، إنه لينزل عليه، وما هو إلا فيك". فقالت: "اللهم خيرًا، فإني لم أبغ من نبيك إلا خيرًا". ثم سُرِّيَ عنه فقال: "يا خولة، قد أنزل الله فيك وفيه قرآنًا". ثم قرأ علي: "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير. الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا وإن الله لعفو غفور. والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم".

 هذه الآيات الكريمات التي نزلت في خولة وزوجها أوس، أبطلت آفة الظهار، وأنهت أن تكون عبارة "أنت علي كظهر أمي" سببًا في إنهاء الرابطة الزوجية وإفساد مشاعر المحبة والمودة والرحمة بين الزوجين أساسًا قويًا للعلاقة الزوجية.

قد فتحت الشريعة مخرجًا لمن يقع في خطأ الإيلاء أو الظهار، وتدرجت في فرض سُبل العلاج، بدءًا من عتق رقبة، ثم صيام شهرين متتابعين، وصولًا إلى إطعام ستين مسكينًا، وذلك حسب مقدرة الزوج، لأن الله عز وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها. ولقد ضربت الصحابية الجليلة خولة رضي الله عنها، من خلال قصتها مع زوجها، القدوة والمثل في كيفية احترام الزوج، فهي مع شكواها من سوء معاملته كانت تحسن عشرته وتعطيه من مالها ولا تقصر في حقه بأي صورة من الصور، وتطبق ما يأمرها به ما دام في غير معصية الخالق.

 فخولة رضي الله عنها، التي أغضبها زوجها بكلمات الظهار، والتي ذهبت لتشكو سلوكه القاسي وتجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناقشه، بل وتشتكي أمرها إلى خالقها، أبدت مشاعر العطف والرحمة بزوجها عندما طلب منها النبي صلى الله عليه وسلم أن تخبر زوجها بحدود رب العالمين وتطلب منه أن يعتق رقبة، فقالت: يا رسول الله ما عنده ما يعتق به رقبة فهو رجل فقير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فليصم شهرين متتابعين. قالت: يا رسول الله إنه شيخ كبير لا طاقة له على الصوم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فليطعم ستين مسكينًا. قالت: يا رسول الله ما ذاك عنده.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سأعينه بعِذْقٍ من تمر." قالت: "يا رسول الله، وأنا سأعين بعِذْقٍ آخر." قال صلى الله عليه وسلم: "قد أصبتِ وأحسنتِ، فاذهبي فتصدقي به عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرًا." قالت: "قد فعلت." هكذا تكون خولة بنت ثعلبة، قصة صبر وحكمة، ومثلًا يُحتذى في صون الحقوق وتطبيق حدود الله برحمة وعدل.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال