أهلاً ومرحباً بكم متابعة قصص تحفة. حديثنا اليوم إن شاء الله قصة عن عجيبة من قصص القرآن الكريم، ذكرها الله عز وجل لتعبدنا عبر وعظة.
لا بد أنكم سمعتم بقصة البقرة المذكورة في القرآن الكريم من قبل؛ تلك القصة التي جمعت بين كليم الله موسى عليه السلام، وبقرة، وقتيل جهلها حقيقيتها الجميلة الكثير.
يجهلها حقيقيتها الجميلة الكثير، لذا هل تتساءل أنفسكم ذات يوم عن سر هذه القصة، وما تفاصيلها؟ ولماذا ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم؟ ولماذا سميت سورة البقرة على إسمنا؟ ومن هو صاحب هذه البقرة وقصته
هذا ما سنعرفه في حلقة اليوم إن شاء الله في هذا المقال.
![]() | ||
|
كيف بدأت قصة بقرة بني اسرائيل
هيا لنبدأ. تبدأ القصة مع رجل من بني إسرائيل يقال له عاميل، أنعم الله عز وجل عليه بالمال الكثير، ولم يرزقه إلا بابنة واحدة. وكان له ابن أخ فقير لا يحب العمل، ففكر هذا الفتى كيف يمكنه الاستفادة من ثروة عمه الطائلة دون عمل أو جهد.
فقرر الذهاب إلى عمه وأن يطلب منه تزويجه ابنته بعد وفاة عمه، كان من المفترض أن يرث الشاب كل أمواله. لكن العم أحس بما يدور في ذهن الشاب، فرفض أن يزوجه ابنته وأخبره أنه عازم على تزويجها لأحد أخيار بني إسرائيل. غضب الشاب غضبًا شديدًا وأراد أن ينتقم من عمه أشد انتقام، لكنه لم يعرف كيف. فوسوس له الشيطان، وتجسد له في صورة رجل وقال: "ما رأيك أن أجعلك ترث عمك وتتزوج ابنته، بل وتأخذ أموالًا أخرى من بني إسرائيل؟" فسأل الفتى: "وكيف ذلك؟" فأجابه الشيطان: "اقتل عمك." فاستنكر الفتى قائلًا: "ما هذا الذي تقوله؟ إن قتلته سأُقتل ولن أرث شيئًا، بل لن يتركني موسى ولا بنو إسرائيل!" فأكد له الشيطان: "لن يعرف أحد بما ستفعله. اذهب إلى عمك وأخبره أن يأتي معك إلى القرية المجاورة ليضمنك في أمر هناك، فالتجار إن رأوك معي سيعطونني ما أريد." وكان العم بالفعل معروفًا بين التجار. وكان بنو إسرائيل في تلك الفترة مجموعة من الأسباط والقبائل، ولكل سبط منهم باب يُغلق عليهم ليلًا ولا يُفتح إلا في الصباح. وبالفعل، أتى الفتى إلى عمه وقال: "يا عماه، انطلق معي لتأخذ لي من تجارة هؤلاء القوم، لعلي أصيب منها. فإنهم إذا رأوك معي سيعطونني. ولكن لا تخبر ابنتك بخروجك معي." فإنك تفعل خيرًا، والخير يكون لله عز وجل.
فخرج العم مع الفتى ليلًا، فلما بلغ الشيخ السبط أو القرية المجاورة، قتله الفتى، ثم حمله ليلًا فوضعه على باب السبط الآخر، ثم رجع إلى أهله. فلما أصبح، جاء كأنه يطلب عمه وكأنه لا يدري أين هو، فلم يجده أو هكذا تحايل وتظاهر.
فانطلق نحوه، فإذا هو بذلك السبط مجتمعون حول القتيل، فقال لهم: يا ويلاه اقتُل عمي! فوالله إن لم تأتوني بديته، فسوف آخذ بثأره ممن قتله. وجعل يبكي ويتباكون: وا عماه! فحدث بين قبائل بني إسرائيل نزاع بشأن هذه الحادثة، فكل قبيلة تتهم القبيلة الأخرى بالقتل، وأخذوا السلاح حتى يتقاتلوا.
فقال أولو النهى والعقول منهم: أتقتتلون وفيكم رسول الله؟ فما لكم تختصمون ولا تأتون نبي الله موسى؟ فجاء ابن أخيه هذا وشكى أمر عمه إلى رسول الله موسى عليه الصلاة والسلام، فقال موسى عليه السلام عندما سمع الخبر: أنشد الله أي رجل عنده علم من أمر هذا القتيل إلا أعلمنا به. فلم يجب أحد. فقضى موسى عليه بالدية، فقالوا له: يا رسول الله، والله إن ديته علينا لهينة، ولكن نستحيي أن نُعيَّر به، فادع لنا ربك يبين لنا من صاحبه، فيؤخذ صاحب القضية فلا نُعيَّر بهذا بين الناس.
وكان شرع الله عز وجل في بني إسرائيل.من يقتل نفسًا بغير حق يُقتل بها، وذلك حين يقول الله عز وجل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: "وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ". فسأل موسى عليه السلام ربه عز وجل في هذه القضية، فأمره الله تبارك وتعالى أن يأمرهم بذبح بقرة، فقال لهم موسى عليه السلام: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً"، قالوا له مستهزئين مستنكرين: نسألك عن القتيل وعمَّن قتله، وتقول لنا اذبحوا بقرة! أتهزأ بنا يا موسى؟ فقال لهم موسى عليه السلام: "أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ". قال الله عز وجل: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ".
قال بعض العلماء إن الله عز وجل أمرهم أن يذبحو البقرة تحديدًا؛ لأنها من جنس العجل الذي عبد، فأراد الله تعالى أن يختبر توبتهم وهل بقي شيء في قلوبهم من تعظيم العجل أو البقرة شبيهه أم لا. فبدلًا من أن ينفذوا أمر الله عز وجل اعترضوا وقالوا لموسى: إذا فاسأل لنا ربك يا موسى أن يوضح لنا ما نوع هذه البقرة التي نذبحها. قال الله تبارك وتعالى: "قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ"، وقولهم "ادع لنا ربك" يدل على بالغ سوء أدبهم مع الله تعالى ومع رسوله موسى عليه السلام، فكأنهم يقولون لموسى عليه السلام: ادع لنا ربك أنت يا موسى، فإنه ليس بربنا نحن. فهؤلاء هم اليهود مع ربهم ومع أنبيائهم عليهم السلام، لمن أراد أن يعرف حقيقة اليهود، الذين يقولون بأنهم أحباب الله أو أحباؤه وشعبه المختار، وهم أعداء الله عز وجل وأعداء رسله وأوليائه، فشتان بين قولهم وفعلهم، إنهم قوم أنجاس أرجاس. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فلو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا وتعنتوا على موسى، فشدد الله عليهم. قال الله عز وجل: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ}. فأولًا قالوا: ما هي؟ أي كم عمرها يا موسى؟ قال لهم: إنها بقرة لا فارض ولا بكر، أي ليست بقرة كبيرة ولا صغيرة في السن، فافعلوا يا قوم ما يأمركم به ربكم وكفوا عن التشديد والتعنت، فلو أنهم استجابوا من أول مرة لسهلت عليهم الأمور، ولكنهم تعنتوا وتشددوا، فشدد الله عز وجل عليهم. وفي ديننا الحنيف شرع الإسلام، يقول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم...
اتركُوني ما تركتُكم، فإذا حدَّثتُكم فخذوا عني، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. وفي هذا الحديث نهي صريح من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عن التعنت والتشديد وكثرة الأسئلة والمبالغة والاختلاف. ولم يكتفِ بنو إسرائيل بهذا، بل ازدادوا وأخذوا يشددون على أنفسهم ويضيقون عليها أكثر، فسألوا عن لونها. قال الله تبارك وتعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا}، فأمرهم الله عز وجل على لسان نبيه موسى عليه السلام بأن تكون البقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين. فكانوا كلما شددوا الأمر على أنفسهم ضيق الله عز وجل عليهم. قال الله تبارك وتعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}. ومع ذلك لم ينتهوا ولم يتوقفوا، فأكثروا السؤال وقالوا: حدد لنا هذه البقرة أكثر، وأخذوا يتعنتون ويعللون بأن البقر تشابه عليهم فلم يميزوا بينه لكثرته، ويتضح ذلك في قول الله تبارك وتعالى: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ}. وهنا انتبهوا إلى أن أسئلتهم لكثرة موسى عليه.
استنادًا إلى قول الله تبارك وتعالى، فقد ذكر أنها بقرة "لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها". حينها قالوا: "الآن جئت بالحق"، فذبحوها وما كادوا يفعلون.
والصفات المطلوبة في هذه البقرة أصعب مما سبق حيث أُمروا بذبح بقرة ليست مُذللة للحراثة ولا مُعدة للسقي في الساقية، لكون هذه الصفات هي صفات غالب البقر. فليس من السهل إيجاد بقرة لا تحرث الأرض ولا تسقي الزرع، وتكون أيضًا بقرة حسنة، صبيحة، مليحة، مسلمة، صحيحة لا عيب فيها. فبعد أن حدد الله عز وجل لهم هذه الصفات، قالوا: "الآن جئت بالحق"، وهذا من سوء أدبهم مع نبي الله موسى، وكأن موسى عليه السلام كان قبل ذلك يعبث معهم ولا يأتي بالحق، وكأنهم لم يشددوا هم بأنفسهم على أنفسهم.
هكذا يقلبون الحقائق ويقلبون الحق باطلًا والباط حقًا، أولئك هم اليهود قوم بهت مفترون. فانطلقوا يبحثون عن بقرة بهذه الصفات فلم يجدوا إلا بقرة واحدة فقط، وكانت لهذه البقرة قصة عجيبة، سبحان الله العظيم، حينما يقدر الله عز وجل شيئًا ويريده يسبب له الأسباب.
انظروا كيف ذلك: إن هذه البقرة كانت لدى رجل صالح من بني إسرائيل، ولم يكن هذا الرجل يملك غير هذه البقرة، وكان له طفل واحد رزقه الله عز وجل إياه على كبر، فجاء هذا الرجل بهذه البقرة ذهب رجل إلى وادٍ وقال: "اللهم إني أستودعك هذه البقرة لابني حتى يكبر". ثم مات الرجل الصالح. ولما أودع الله عز وجل هذه البقرة، بارك الله له فيها، فإن الله عز وجل إذا استُودِع شيئًا حفظه ووعاه ونمّاه وباركه وكثّره. سبحان الله العظيم، تبارك الله رب العالمين.
مات هذا الرجل الصالح، وصارت البقرة في الواد أعوامً ترعى، وكانت تهرب من كل من يراها. فلما كبر الابن كان بارًا بوالدته، وكان يقسم الليل ثلاثة أقسام: ثلثًا للصلاة، وثلثًا للنوم، وثلثًا يجلس عند رأس أمه يرعاها.
فإذا أصبح الصبح احتطب على ظهره وأتى السوق، فباع الحطب بما شاء الله عز وجل، وكان يتصدق بالثلث، ويأكل بالثلث، ويعطي أمه الثلث. فقالت له أمه يومًا: "إن أباك ورّثك بقرة استودعها الله في غيضة كذا، فانطلق فادعُ إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق أن يردها عليك، وعلامتها أنك إن نظرت إليها تخيل لك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها، وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفوتها".
فذهب الابن إلى المكان الذي قالت له أمه عليه، فرأى البقرة ترعى، فصاح بها وقال: "أعزِم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق"، فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه، فقبض على عنقها يقودها.
فلما رجع الفتى إلى أمه ومعه البقرة، قالت له أمه: "إنك فقير لا مال لك ويشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل فانطلق فبع هذه البقره" فقال الابن: بكم أبيعها يا أمي؟ قالت له: بثلاثة دنانير، ولا تبع بغير ما أقول. فانطلق بها إلى السوق، فبعث الله عز وجل له ملكًا من الملائكة ليرى خلقه وبرّه بأمه، وليختبره خبيرًا بصيرًا سميعًا عليمًا جل جلاله. فقال الملك المرسل من الله عز وجل لهذا الفتى: بكم تبيعها؟ فقال الفتى: بثلاثة دنانير، وأشترط عليك رضاء والدتي. فقال الملك: لك ستة دنانير وآخذها الآن، فلا تشاور أحدًا.
فقال الفتى: لو أعطيتني وزنها ذهبًا لا أبيعها إلا برضا أمي. فرجع الفتى إلى أمه وأخبرها بالثمن، فقالت له: ارجع فبعْ بستة دنانير، ولا تبعها حتى ترجع إلي. فانطلق الفتى ومعه البقرة إلى السوق، وجاءه الملك فقال له: استمرت أمك؟ فقال الفتى: إنها أمرتني أن أعرضها بستة دنانير. فقال الملك: إني سوف أعطيك 12 دينارًا وآخذها الآن، ولا تشاور والدتك. فأبى الفتى ثانية ورجع إلى أمه وأخبرها بذلك، فقالت له أمه: إن الذي يأتيك هو ملك من الملائكة ليختبرك، فإذا أتاك فقل له: أتأمر أن نبيع هذه البقرة أم نمسك عليها؟ ففعل الفتى، فقال له الملك: اذهب إلى أمك وقل لها: أمسكي هذه البقرة، فإن موسى بن عمران سيشتريها منكم لقتيل من بني إسرائيل، فلا تبيعوها إلا بملء مسكها دنانير.
عندما أمر بنو إسرائيل بالبحث عن بقرة بصفات معينة، ظلوا يبحثون عنها فلم يجدوها إلا عند فتى بار بوالدته، وكان أبوه رجلاً صالحًا، فاستودع ربه عز وجل هذه البقرة فبارك فيها. انظروا ماذا فعل الله عز وجل لولد هذا الرجل الصالح الذي مات ولهذا الفتى الذي كان بارًا بوالدته.
طلب بنو إسرائيل من هذا الفتى أن يشتروا منه البقرة، فلما علم أنه لا يصلح لهم غيرها ضاعف عليهم الثمن، فأتوا موسى عليه السلام وأخبروه أنهم لم يجدوا هذه البقرة إلا عند فلان وأنه طلب منهم أضعاف ثمنها. فقال لهم موسى عليه السلام: إن الله عز وجل كان قد خفف عليكم فشددتم على أنفسكم، فأعطوه ما طلب، ففعلوا.
وقد ورد في بعض الروايات أن صاحبها طلب منهم وزنها ذهبًا، وفي رواية أنه طلب ملء جلدها ذهبًا، وفي رواية أخرى أنه طلب عشرة أمثال وزنها ذهبًا، والله أعلم.
في هذه القصة يتضح لنا فضل بر الوالدين وفضل الرجل الصالح الذي يستودع الله عز وجل الأمانات، فيحفظها تبارك وتعالى له وينميها ويبارك فيها. فبارك الله للرجل الصالح في البقرة وفي ابنه الفتى وفي زوجته أم الفتى.
قال الله تبارك وتعالى: "فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ". قال بعض المفسرين إنهم ما كادوا يذبحونها لغلاء ثمنها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كادوا ألا يفعلوا، ولم يكن ذلك ما أرادوا، وذلك أن غرضهم كان التعنت والعناد، فلهذا ما كادوا يذبحونها، فذهبوا فذبحوها وضربوا القتيل ببعضها كما أمر الله عز وجل، فقام القتيل حيًا بإذن الله تعالى وقال: قتلني فلان، ثم سقط الرجل ثانية ومات مكانه، فحُرِم قاتله الميراث وحُكم عليه بالدية.
قال الله تعالى: "فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ". وفي هذا معجزة قوية لنبي الله موسى عليه السلام، وتدل على قدرة الله تعالى التي لا يقف دونها شيء، فالله تبارك وتعالى على كل شيء قدير.
فهنا الميت يُضرب بميت ثم يكون حيًا، وقد قيل إن الذي ضربوه به هو اللسان لأنه آلة الكلام، وقيل بالفخذ، إلى آخر المقولات لا يهمنا أي الأجزاء ضُرب به؛ لأن ذلك سيكون تكلّفًا وتعنّتًا، فالمعجزة الحقة الظاهرة هي في إحيائه وتحدثه بعد موته.
قال تعالى: "كذلك يحيي الله الموتى"، أي لما ضربوه حيي وقام، وقد نبّههم الله عز وجل على قدرته على إحياء الموتى يوم البعث بهذه الحادثة التي رأوها أمام أعينهم، أي كما أحيا الله عز وجل هذا بعد موته، سيحيي الله تعالى كل من مات.
وقوله تعالى: "آياته" أي علامات قوته وقدرته على كل شيء.
قال الله عز وجل: "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون".
وفيها بيّن الله تعالى تعنت اليهود وقسوة قلوبهم مع كل ما رأوه من آيات الله ومعجزاته ومنها إحياء الموتى أمامهم، فلم يُجدِ ذلك عنهم شيئًا، وهذا يدل على مدى قسوة القلوب وضعف الإيمان وكره الحق وأهله وجحوده.
سبب تسمية سورة البقرة بهذا الاسم
أما عن سبب تسمية سورة البقرة بهذا الاسم، فقد سميت بهذا الاسم لاشتمالها على قصة البقرة التي أمر الله عز وجل بني إسرائيل بذبحها لاكتشاف قاتل أحدهم. وقد ذكر السيوطي رحمه الله في كتابه الإتقان أن العرب تراعي في كثير من المسميات أخذ أسمائها أو صفة تخصها ويسمون الجملة.
يُختار من الكلام أو القصيدة الطويلة ما هو أشهر فيها. وعلى ذلك جرت أسماء سور القرآن. كتسمع الروايات أن الذي قتل القتيل الذي اختصم في أمره إلى موسى كان أخا القتيل، وذكر بعضهم أنه كان ابن أخيه، وقال بعضهم بل كانوا جماعة. ورغم استبطاء جميع الرواة، فهم مجمعون على أن موسى عليه السلام أمرهم بذبح البقرة من أجل القتيل حين احتكموا إليه.
فقال الله عز وجل إنهم أكثر الأقوام ضلالًا وتهاونًا في حقوق الله تعالى، وأكثر جدالًا مع أنبياء الله عز وجل وتكذيبًا لهم، وأكثر قتلًا للأنبياء والرسل.
هذا والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.