قصة ام الخير التي كتب الملائكة اسمها على المسجد بأمر من الله عز وجل
فكر الملك نور الدين في عمل يزيده قدرًا وشهرة بين الناس وفي البلاد، ويخلد ذكراه بعد الممات. فقال: "يا وزيري، لقد قررت أن أبني مسجدًا كبيرًا باسمي. فمن بنى لله مسجدًا في الدنيا، بنى الله له قصرًا في الجنة. أريده أكبر مسجد في المدينة، بل في المملكة كلها." فأجابه الوزير: "بالطبع يا مولاي، مسجد ملك البلاد لابد أن يكون أكبر مسجد في البلاد." فأكمل الملك: "أريده ضخمًا وفخمًا ومبهرًا للمصممين والبنائين. ومواد البناء أريدها أفضل المواد، حتى لو جلبناها من بلاد أخرى، والزخارف والأعمدة والحوائط المزركشة والقبلة والقبة، أريد كل ذلك على أفخم طراز." فأجابه الوزير: "اطمئن يا مولاي، سنبدأ العمل عليه من الآن. ومن الآن أيضًا يبدأ العمل في تصميم اللوحة التي ستعلق عليه، ويوضع اسمك عليها حفرًا على الرخام، ليعرف الناس أنه مسجد الملك نور الدين." فرد الملك: "المهم ألا يساهم أي شخص في كلفة هذا المسجد، أريد أن يكون لي وحدي شرف الإنفاق عليه من أوله لآخره، حتى يكون لي وحدي كل الخير والجزاء." فقال الوزير: "سمعًا وطاعة يا مولاي." وبدأ العمل في بناء مسجد الملك نور الدين، وكان مسجدًا كبيرًا كما أمر ملك البلاد، وأصبح بالفعل حديث الناس في كل مكان.
أشرف الملك بنفسه على بناء المسجد وتابع مراحل تنفيذه، وأنفق عليه مالًا كثيرًا ليكون جديرًا بحمل اسمه وتخليده عبر الزمان. مبارك علينا مسجدنا يا مولاي الملك، كم أنا سعيد الآن بتحقق هذا الحلم في أقل من عامين. متى سيُفتتح المسجد للصلاة؟ الجمعة القادمة إن شاء الله، وبالطبع ستتشرفون يا مولاي بالحضور. نعم، لقد دعوت عددًا كبيرًا من الملوك والسلاطين والأمراء لحضور حفل الافتتاح، وسيكون حفلًا تاريخيًا بإذن الله. هل انتهيتم من اللوحة التي ستُعلَّق على الباب الرئيسي للمسجد؟ نعم يا مولاي، لوحة كبيرة تلائم حجم المسجد، وتحمل اسم جلالتكم حفظكم الله. رأى الملك بعينه لوحته الضخمة التي تحمل اسمه وهي تُعلَّق على باب مسجده الكبير، وعاد سعيدًا إلى قصره منتشيًا بتحقيق حلمه، ونام هانئًا في هذه الليلة. ولكنه رأى منامًا أفزعه وسرق منه فرحته ببناء مسجده، وتكرر المنام لثلاث ليال. لا لا لا مولاي، نفس الكابوس يا رقية. تفضلي يا زوجي العزيز، أصبحت أخشى النوم حتى لا أرى هذا الكابوس، المسجد الذي تعبت في بنائه يأتي اثنان من الملائكة وينزعان من عليه اللوحة التي تحمل اسمي، ويضعان لوحة أخرى عليها اسم امرأة.
ومن هي هذه المرأة التي لم أستطع تحديدها في كل مرة؟ وهل سألت الوزير إذا كان أحد قد تجرأ ونزع اسمك من على المسجد؟ سألته وأكد لي أن اسمي ما زال هناك. أنصح مولاي بأن يستشير أحد مفسري الأحلام كي يوضح لنا المغزى من هذا الحلم الذي يتكرر. نعم، حتى إذا كان هناك خطر علي، أستطيع أن أستعد له. واتحداه. جئتك يا مولاي بأكبر وأشهر مفسر للأحلام. هل لديك تفسير للحلم الذي حكى لك عنه وزيري؟ أصارحك يا مولاي بأنه حلم غريب لا شبيه له ولا مثيل، ولكني أسأل مولاي، وأنا واثق أن اللوحة البديلة تكون دائما في كل حلم بنفس الاسم. نعم، نفس الاسم، ولكني لا أستطيع قراءته، أو ربما أقرأه في الحلم وأقوم من النوم ولا أتذكره. وهل مولاي واثق من أنه اسم امرأة؟ نعم. كيف وجلالتك لا تستطيع قراءته في الحلم؟ لأنني أسمع أصواتًا تقول: ضعوا اسم المرأة على المسجد مكان اسم هذا الملك. أصوات من هذه يا مولاي؟ أعتقد أنها أصوات الملكين اللذين ينزعان لوحتي من على المسجد.
أيها المفسر، ما قولك في هذا الحلم العجيب؟ وكيف تفسره؟ والله يا مولاي ما أراها إلا أضغاث أحلام، وأرجو من مولاي ألا يهتم أو يغتم بها أبدًا. لا بأس عليك يا حبيبي، لا بد أن نجد حلًا يخلصك من هذا الكابوس الذي لا ينقطع. هذه الليلة قرأته بوضوح لأول مرة. يا رقية، ما هو اسم المرأة المكتوب في اللوحة التي وضعوها مكان لوحتي؟ ما اسمها؟ أم الخير؟ أم الخير! وهل يعرف مولاي امرأة بهذا الاسم؟ أبدًا، لا أذكر امرأة بهذا الاسم. إذن، اجعل وزيرك يا مولاي يبحث عنها في كل مكان حتى يأتيك بها، وتعرف جلالتك ما هو السر الذي وراءها. أخيرًا يا مولاي، أخيرًا وجدناها بعد بحث دام عشرة أيام، وجدت أم الخير. نعم يا مولاي. من هي؟ عجوز فقيرة تبيع الجبن في سوق المدينة، وتعاني أمراضًا كثيرة. لا، لا أعتقد أنها هي التي يوضع اسمها مكان اسمي على المسجد. والله يا مولاي ما وُجد في المدينة كلها امرأة غيرها بهذا الاسم. إذن، أريد أن أراها.
أدخل المرأة. أنت أم الخير؟ نعم يا مولاي. بماذا شاركتِ في بناء مسجدي حتى يوضع اسمك مكان اسمي؟ العفو يا مولاي، أنا كما تراني عجوز فقيرة ومريضة، ولا أقوى على فعل شيء. إذا صدقتني القول فلن أعاقبك. والله يا مولاي لم أشارك في أي شيء، ولا أملك حتى قوت يومي لأساهم في تكلفة المسجد. إلا أنني منذ شهر تقريبا، كنت أمر بجوار المسجد ووجدت حمارا من الحمير التي تنقل الأخشاب المستخدمة في البناء. حمار! وما الذي لفت نظرك في هذا الحمار تحديدا؟ كان في غاية العطش ويحاول أن يشرب من وعاء الماء القريب منه، ولكنه لم يستطع الوصول إليه. وماذا فعلت؟ مشيت إليه وقربت منه وعاء الماء حتى شرب منه وارتوى تماما. وماذا بعد؟ لا شيء، تركت المكان وأنا سعيدة لأن الحمار قد ارتوى. فقط هذا كل ما فعلته. نعم يا مولاي، فأنا أصلا لا أقدر على فعل أكثر من هذا. لم تفعل شيئا سوى أنها سقت الحمار. إنها حتى لم تسقِ، فقط قربت وعاء الماء منه. ألهذا يضع الملكان اسمها بدلا من اسم جلالتك؟ هذا هو السؤال الذي ظللت أبحث له عن إجابة حتى وجدتها أخيرا. ماذا تقصد يا مولاي؟.
لقد بنيت المسجد ليخلد اسمي ويزيد من شهرتي بين الناس، أما المرأة فقد سقت الحمار ابتغاء وجه الله. لذلك تقبل الله عملها رغم بساطته، ورد عملي رغم ضخامته وكل ما أنفقته فيه من وقت وجهد ومال. الإخلاص لله يا رقية، هذه العجوز علمتني أن كل أعمالي يجب أن تكون خالصة لوجه الله، بعيدة عن الرياء والمباهاة. وماذا أنت فاعل الآن يا مولاي؟ لقد أمرت الوزير أن يرفع اسمي عن المسجد ويضع مكانه اسمها، ومن اليوم سيصبح اسمه مسجد أم الخير.