من هو جبريل عليه السلام؟

بسم الله الرحمن الرحيم، ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى. سورة النجم.

من هو جبريل عليه السلام

مقدمة:

مرحبا بكم متابعينا الكرام، إن الله تبارك وتعالى خلق الكثير من المخلوقات، منها ما نعلم به ومنها ما لا نعلم عنه شيئا، ولكنه فضل بعضها على بعض، فمنهم من خلقه من طين كآدم ونسله، ومنهم من خلقه الله من نار كإبليس ونسله، ومنهم من خلقه الله من نور كالملائكة الكرام، وهم أفضل المخلوقات وأقواها وأعظمها. وكذلك فضل الله جل في علاه بعض الملائكة على بعض، وأعطى كلا منهم ميزة خاصة به، فجعل منهم المقربين كحملة العرش وهم أقوى الملائكة، ومنهم من هو أقل درجة كملائكة الموت وملائكة العذاب. ولكن من بين كل هؤلاء الملائكة وجدنا ملكا هو الأقوى والأعظم والأشهر بين الملائكة، بل هو سيدهم وقائدهم وأقربهم إلى ربهم تبارك وتعالى، إنه جبريل عليه السلام، من أقوى مخلوقات الله وأعظمها وأجملها. فمن هو جبريل؟ وما قصته؟ ولماذا هو أقوى وأعظم الملائكة؟ وكيف رآه النبي ووصفه لنا؟ وما هي المهام الموكلة إليه؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.

الآن نبدأ القصة.

في بداية الأمر لكي نعرف من هو جبريل عليه السلام...

لماذا يُعتقد أن الملائكة أقوى المخلوقات؟

 للإجابة، يجب أولًا أن نعرف من هم الملائكة وما صفاتهم. الملائكة، عليهم السلام، هم خلق من خلق الله، خلقهم من نور وأسكنهم الملأ الأعلى من السماء لعبادته وتسبيحه. فعن محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجن من مارج من نار، وخُلق آدم مما وُصف لكم"، أي من طين. فالملائكة، عليهم السلام، خلق مكرمون، خلقهم الله من نور ونزع منهم النواقص والدناءات، ومنها الشهوة. فهم عباد مكرمون لا يعصون الله تعالى ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة، ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتناسلون، لا يملون ولا يتعبون إطلاقًا، ولا يحصيهم عددًا إلا هو سبحانه وتعالى. منهم حملة العرش، وخزنة الجنة، وخزنة النار، والحفظة والكتبة، ومنهم من هو في السماء ومنهم من هو في الأرض. وفضّل الله تبارك وتعالى بعضهم على بعض، فجعل منهم المقربين وهم أفضلهم، ثم أفضل هؤلاء المقربين جبريل وميكائيل وإسرافيل، عليهم السلام. والإيمان بالملائكة الكرام واجب وركن من أركان الإيمان، ومن لم يؤمن بهم وبوجودهم فقد كفر بما أُنزل على النبي، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في السنة.

تكليف الملائكة:

لقد كلف الله تبارك وتعالى الملائكة الكرام بأعمال كثيرة، منها تبليغ الوحي، والنفخ في الصور، ونزع أرواح العباد، وتبليغ الوحي إلى الرسل. واختار الله تبارك وتعالى جبريل عليه السلام ليكون رسوله إلى أهل الأرض، والواسطة بينه وبين الرسل. فجبريل عليه السلام هو رسول الله من السماء إلى رسل الله في الأرض. وقد كرم الله عز وجل جبريل عليه السلام ورفع مكانته على غيره من الملائكة الكرام، وكان جبريل عليه السلام حسن الهيئة، فخلقته كريمة عظيمة وصفاته حميدة، وكذلك كل الملائكة عليهم السلام. وقيل إن للملائكة أجنحة، ويختلف عددها، فمن الملائكة من له جناحان، ومنهم من له أكثر، أما جبريل فكان له عليه السلام 600 جناح، وذلك لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما وصف جبريل عندما رآه: "رأيت جبريل عند سدرة المنتهى وعليه 600 جناح ينثر من ريشه تهاويل الدر والياقوت". وقيل إن كلمة جبريل تعني عبد الله، وفي قول آخر جبريل أو جبرائيل معناها بالعبرية رجل الله، فكلمة جبراء تعني رجل وكلمة إيل تعني الله، وقد لقب جبريل عليه السلام بالروح وروح القدس والروح الأمين وأمين الوحي والناموس الأعظم، ووصف الله تعالى جبريل عليه السلام في القرآن بخمس صفات، وذلك في قول الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}. سورة التكوير.

شكل جبريل عليه السلام:

وصف الله عز وجل جبريل عليه السلام بأنه رسول كريم جميل المنظر بهي الصورة، كثير الخير، وأنه قوي لا يعجز عن تنفيذ المهام، وله مكانة عند الله عز وجل، وله جنود وأعوان يطيعونه في أمره، وأنه أمين يحفظ ما يحمله ولا يخون، والتقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بجبريل عليه السلام مرات عديدة، فكان أول لقاء به في بادية بني سعد، والنبي صلى الله عليه وسلم حينها طفل صغير في الرابعة من عمره، وكان يلعب مع الغلمان وهو عند حليمة السعدية رضي الله عنها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال: «هذا حظ الشيطان منك». ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم ألّمه، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منتقع اللون.

فقال أنس: "وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره، وإن حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم حدثت مرتين". وقال بعضهم: حدثت ثلاث مرات. فقيل: الأولى كانت وهو في الرابعة من عمره، وقالوا: إن الثانية عند بعثته صلى الله عليه وسلم، والثالثة في ليلة الإسراء والمعراج. ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأربعين من عمره وهو في غار حراء يتعبد الليالي ذوات العدد، حيث كان اللقاء الأول بجبريل عليه السلام، إذ نزل جبريل فقال له: "اقرأ". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنا بقارئ". فكررها جبريل عليه السلام ثلاثاً. وفي الرابعة قال له جبريل: "اقرأ باسم ربك الذي خلق". ومن هنا بدأ الوحي. ولما انقطع الوحي فترة حزن النبي صلى الله عليه وسلم. فبينما يسير ببطحاء مكة، إذ بصوت من السماء يناديه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم نظره، فإذا بجبريل عليه السلام جالس على كرسي بين السماء والأرض، فخاف النبي صلى الله عليه وسلم، ورجع إلى خديجة رضي الله عنها وهو يقول: "زملوني زملوني". وهو ما جاء في حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء، فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجئت منه رعبًا، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروني. فأنزل الله تعالى بعد قوله: {يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر}. ورأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام على حقيقته عند سدرة المنتهى في الإسراء والمعراج. فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال: رأى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته، وله 600 جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم. والتهاويل هي الألوان المتعددة. فقد خلق الله تبارك وتعالى للملائكة أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ويزيد فيها ربنا عز وجل ما يشاء. وفي حديث أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها: "من زعم أن محمدًا رأى ربه فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه ساد ما بين الأفق، ومعظمه خلق جبريل عليه السلام، فقد كان أخوف الخلق". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مررت ليلة أسري بي على الملأ الأعلى، فإذا جبريل كالحلس البالي من خشيته."

بمن شبه أرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام:

كان جبريل عليه السلام يأتي إلى النبي في صورة بشر من أجمل ما يكون، وقد شبه النبي محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بصورته تلك بدحية الكلبي، فقال صلى الله عليه وسلم: «عرض علي الأنبياء فإذا موسى كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام فإذا أقرب رب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود، ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه فإذا أقرب من رأيت به شبهاً صاحبكم» يقصد نفسه صلى الله عليه وسلم، قال: «ورأيت جبريل عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبهاً دحية ابن خليفة»، وهو دحية الكلبي، ولذلك كثيراً ما كان يأتي جبريل عليه السلام على صورة دحية الكلبي رضي الله عنه، وكان دحية رجلاً جميل المحيا حسن الهيئة مقبولاً عند الناس، وكان جبريل يأتي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في بداية الإسلام يعلمه أمور الدين فعلمه الوضوء وعلمه الصلاة وعلمه مواقيت الصلاة، وكان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراه الصحابة كما في حديث جبريل المشهور بينه وبين النبي، وكان يقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» فعلى جبريل منا السلام، وكان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يحب جبريل عليه السلام كثيراً.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشتاق إليه إذا غاب عنه، فإذا غاب ثم التقى به قال له: "ما جئت حتى اشتقت لك". فيقول له جبريل عليه السلام: "وما نتنزل إلا بأمر ربك، له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك، وما كان ربك نسيًا". وكان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا أو ألمًا أو مرضًا رقاه جبريل عليه السلام فيقول: "بسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل ذي عين". وقد نزل جبريل عليه السلام إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وكان معه ملك الجبال عليه السلام يوم الطائف، وناداه وقال له: "إن الله بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم". قال: "فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد، إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك وبما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رحمة الله عز وجل للعالمين: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا". وكان جبريل عليه السلام يدافع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويحارب بجواره كما نزل يوم بدر نصرة لنبئ الله محمد صلى الله عليه وسلم.

كان محمد صلى الله عليه وسلم محفوفًا بالملائكة الكرام، وعلى رأسهم جبريل عليه السلام، قال تعالى: "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ". وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "هذا جبريل آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب". وكان جبريل يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من ليالي رمضان من كل عام يدارسه القرآن. فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من ليالي رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة". وظل جبريل عليه السلام مدة ثلاث وعشرين سنة يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بالوحي من السماء ويعلمه التأويل. وفي السنة التي مات فيها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، جاءه جبريل عليه السلام مرتين يعارضه القرآن، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بدنو أجله. فعن فاطمة رضي الله عنها قالت: أسرّ إليّ أي أن أباها حدثها سرًا فقال لها: "إن جبريل كان يعارضني القرآن كل عام مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب".

عندما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد به المرض، توفي صلى الله عليه وسلم، وقد حزن الصحابة رضي الله عنهم على موته، وحزنوا كذلك على انقطاع الوحي. وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما: "انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها". فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: "ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم". فقالت: "ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله تعالى خير لرسول الله، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء". فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها. وقد اختلف العلماء هل ينزل جبريل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فمنهم من قال ينزل، ومنهم من نفى ذلك، والصحيح ولا شك في ذلك أن الوحي قد انقطع بموت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن أثبت فريق من أهل العلم أن جبريل عليه السلام ينزل إلى الأرض وذلك في ليلة القدر لقول الله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}، والروح هو جبريل عليه السلام.

وقال الكلبي رحمه الله: "إن جبريل عليه السلام ينزل في ليلة القدر مع الملائكة، فيسلمون على كل امرئ". فاللهم إنا نشهدك أننا نحبك، ونحب عبدك جبريل عليه السلام، ونحب رسلك وأنبيائك وأوليائك الصالحين. اللهم فاحشرنا مع أحبابك في أعلى الفردوس، إن شاء الله. هذا والله تعالى أعلى وأعلم. ولنا في الحديث بقية، إلى اللقاء.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال