قصة موسى عليه السلام كاملة من البداية الى النهاية (الجزء الثاني)

رجوع موسى عليه السلام وأهله الى مصر

اختيار الله عز وجل موسى عليه السلام للدعوة

في الجزء الاول من القصة وصلنا حين كان موسى في  طريقه الى مصر، حيث وجد نارا فطلب من زوجته واولاده المكوث بعيدا الى ان يعرف خبر هذه النار ويقال إنه رأى النار دونهم، فهذه النار هي نور في الحقيقة، ولا يصلح للجميع رؤيتها.

قال الله تبارك وتعالى: {أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم}. فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله، آنس من جانب الطور نارًا، قال لأهله: {إني آنست نارًا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون} أي لعلي أستعلم بتلك النار عن الطريق، أو آتيكم منها بشعلة تستدفع بها. فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة: {أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين}.

 ما قصد موسى عليه السلام تلك النار التي رآها، وجدها تتأجج في شجرة خضراء من العوسج، لا تزداد النار إلا توقدًا، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء، وقد كان موسى عليه السلام في واد اسمه طوى، فكان موسى عليه السلام مستقبلًا القبلة وتلك الشجرة عن يمينه، حينها ناداه الله عز وجل وكلمه تكليمًا.

فلما أتاها نودي: {يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى}، فأمره الله تعالى أولًا بخلع نعليه تعظيمًا وتوقيرًا لتلك البقعة المباركة، ثم قال الله عز وجل: ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي. إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ. فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ﴾ فقد أمره الله عز وجل بأوامر، ثم قال له: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ﴾.

قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى، فأمره الله تعالى بإلقاء العصا إلى الأرض فألقاها فإذا هي حية تسعى، فصارت العصا حية عظيمة ضخمة بأمر الله عز وجل وهي مع ذلك كله في سرعتها كالجان أي كالحية الصغيرة، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: 10]، ويا موسى: ﴿أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ [القصص: 31]، ثم أمره الله عز وجل أن يبسط يده ويأخذها فقال له عز من قائل: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ [طه: 21].

 فلما استمكن منها موسى عليه السلام ارتدت الحية إلى عصا في يده، ثم أمره الله عز وجل بإدخال يده في جيبه والجيب فتحة في الثوب في منطقة الصدر، ثم أمره عز وجل بنزعها، وقد كان موسى عليه السلام أسمر البشرة فإذا بيده تتلألأ كالقمر بياضًا من غير سوء، ثم أمر الله عز وجل موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون، فتذكر موسى عليه السلام أنه قد قتل نفسًا من آل فرعون أو من أتباعه أو من أهل مصر عامة وأن فرعون وجنده يبحثون عن موسى لقتله، فقال موسى عليه السلام: ﴿رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ [القصص: 33]، ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ [القصص: 34] أي  فاجعل يا رب أخي هارون معي معيناً ووزيراً يساعدني على أداء رسالتك إليهم، فإنه أفصح مني لساناً وأبلغ بياناً.

دعوة موسى عليه السلام فرعون لعبادة الله

ودعا موسى عليه السلام ربه عز وجل فقال: رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي. وقد قيل إنه أصابه في لسانه لثغة بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه عندما أراد فرعون اختبار عقله حين أخذ بلحيته وهو صغير، فهم بقتله، فخافت عليه آسية امرأة فرعون وقالت إنه طفل فاختبر بوضع تمرة وجمرة بين يديه، فهم موسى عليه السلام بأخذ التمرة، قيل فصرف الملك عليه السلام يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها موسى عليه السلام على لسانه فأصابه لثغة بسببها فسأل زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله فرد الله عز وجل على موسى عليه السلام وقال: قد أوتيت سؤلك يا موسى، أي قد أجبنا إلى جميع ما سألت وأعطي [الذي] الذي طلبت، ثم أمرهما الله عز وجل موسى وهارون عليهما السلام فأتيا فرعون فقولا: إنا رسول رب العالمين، أن أرسل معنا بني إسرائيل.

 فذهب موسى عليه السلام إلى أخيه هارون، ثم قال: يا هارون إن الله أمرني وأمرك أن ندعو فرعون إلى عبادته وحده لا شريك له، فقم معي، فقاما يقصدان قصر الفرعون وملأه فقال له ذلكوبلغه ما أرسلهما الله عز وجل به من دعوة فرعون إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وأن يفك فرعون أسرى بني إسرائيل ويتركهم يعبدون ربهم عز وجل. فتكبر فرعون في نفسه، ونظر إلى موسى عليه السلام بعين الازدراء والتنقص قائلاً له: ألم نربك فينا وليداً، ولبثت فينا من عمرك سنين؟ أي: أما أنت الذي ربينا في منزلنا يا موسى، وأحسنا إليه، وأنعمنا عليه مدة من الزمن ومن الدهر.

 ثم قال فرعون: وفعلت فعلتك التي فعلت، وأنت من الكافرين؟ أي: وقتلت الرجل القبطي، وفررت منا يا موسى، وجحدت نعمتنا عليك. فلم ينكر موسى عليه السلام ذلك، وقال: فعلتها إذاً وأنا من الضالين. أي: فعلتها قبل أن يوحى إلي ربي عز وجل، وينزل علي وحيه، ففررت منكم يا فرعون، لما خفتكم، فوهب لي ربي عز وجل حكماً وحكمة، وجعلني من المرسلين بفضله ورحمته.

 ثم قال مجيباً لفرعون عما امتن به من التربية والإحسان إليه: وتلك نعمة تمنها علي أنْ عبَّدت بني إسرائيل؟ أي: تمن علي يا فرعون أن ربيتني، وتنسى جورك على بني إسرائيل باستعبادهم وقتلهم. ثم سأله فرعون: وما رب العالمين؟ فرد موسى عليه السلام بكل ثقة ويقين قائلاً: رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين. فغضب فرعون، وقال لمن حوله: ألا تستمعون؟ فقال موسى عليه السلام:مخاطباً له وللذين معه قال ربكم ورب آبائكم الأولين، فهو الذي خلقكم وهو الذي خلق آباءكم وأجدادكم والأولين أجمعين، وإنه هو الله رب العالمين.

فوصف فرعون موسى عليه السلام بالجنون فقال: إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون. فقال موسى عليه السلام لفرعون وملئه: قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون. فلم يجد فرعون ما يرد به على موسى عليه السلام؛ إذ انقطعت حججه كلها، فاستعمل سلطانه وقوته وسطوته، فقال: لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين.

فقال له موسى عليه السلام: أولو جئتك بشيء مبين؟ فرد فرعون: فأت به إن كنت من الصادقين. فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، فقام الناس من مقامهم خائفين مذعورين. ثم أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء تبهر الأنظار، وإنها لتبهر الأبصار والعقول. فإذا أعادها موسى عليه السلام إلى جيبه وأخرجها مرة أخرى.

رجعت إلى صفتها الأولى بأمر الله عز وجل، وبعد أن رأى فرعون كون آيات الله عز وجل استكبر وعاند وجحد، بل ووصف موسى عليه السلام بأنه ساحر، وقال له: "قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى؟ فلنأتينك بسحرٍ مثلِه فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى".

وكان هذا من أكبر مقاصد موسى عليه الصلاة والسلام أن يظهر آيات الله عز وجل جهرة أمام الناس، فقال موسى عليه السلام: "موعدكم يوم الزينة" فاختار يوم عيد من أعيادهم ليكون أحرى بحضور أكثر عدد من الناس، وأن يحشر الناس ضحى، أي من أول النهار، فيكون الحق أظهر وأجلى وأبين وأوضح.

فجمع فرعون جميع من كان ببلاده من السحرة، فجمعوا له من كل بلد ومن كل مكان، فاجتمع منهم خلق كثير وجم غفير، وحضر فرعون ووزراؤه وملأه، وحضر قومه عن بكرة أبيهم، وذلك أن فرعون نادى فيهم أن يحضروا هذا الموقف العظيم، فخرجوا وهم يقولون: "لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين". فلما جاء السحرة قالوا لفرعون: "أإن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين؟" فرد عليهم فرعون: "قال نعم وإنكم إذاً لمن المقربين".

 فتقدم موسى عليه السلام إلى السحرة ونصحهم ودعاهم أن يعودوا إلى الله عز وجل ويتوقفوا عن سحرهم الباطل، فأرشدهم وحذرهم وأنذرهم، قال لهم موسى: "ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى أي: فتنادع السحرة والموجودون واختلفوا فيما بينهم عندما سمعوا قول موسى عليه السلام فقائل يقول إن هذا لكلام نبي وليس بساحر وقائل منهم يقول بل هو ساحر، ثم قالوا إن هذين لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، ثم قال السحرة: فاجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفاً وقد أفلح اليوم من استعلى.

فلما اصطف السحرة ووقف موسى وهارون عليهما السلام تجاههم، قال السحرة لموسى: يا موسى إما أن تلقي قبلنا وإما أن نلقي نحن قبلك. قال موسى عليه السلام: بل ألقوا أنتم. فعند ذلك سحر السحرة أعين الناس واسترهبوهم وخوفوا وألقوا حبالهم وعصيهم فإذا بحبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فخاف الناس وفرح فرعون وملؤه.

وهنا خاف موسى على الناس أن يفتنوا بسحرهم فأوحى الله عز وجل إليه: قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى. فعند ذلك ألقى موسى عليه السلام عصاه بأمر الله عز وجل فلما ألقى عصاه صارت حية تسعى وابتلعت هذه الحية حبال السحرة وعصيهم كلها كما قال الله تبارك وتعالى: وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما ما كانوا يعملون فغُلِبوا هنالك وانقلبوا صاغرين.

 وأما السحرة، فعلموا أن هذا ليس بسحر، فهم أعلم الناس بما هي السحر، فهذا ليس بسحر، فهذا الشيء لا يقدر عليه أن يسحر، فأمن السحرة بربهم عز وجل، وخروا له ساجدين مؤمنين موقنين، وقالوا جهرة للحاضرين وأولهم فرعون: آمنّا برب العالمين رب موسى وهارون.

فقال فرعون خاطبًا السحرة بحضرة الناس: آمنتم به قبل أن آذن لكم أيها السحرة؟ إنه لكبيركم الذي علمكم السحر. وقال: إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها، فسوف تعلمون. ثم جاء فرعون بالسحرة وقال لهم: لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف أي يقطع الفرعون اليد اليمنى والرجل اليسرى، وعكس ذلك، ولأصلبنكم أجمعين؛ لئلا يقتدي بهم أحد من رعيته وأهل ملته.

ظن الفرعون بهذا أنه قد يفلح، فرد عليه السحرة وقالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، والذي فطرنا، فاقض ما أنت قاضٍ، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا. إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر، والله خير وأبقى. وإن السحرة هم أول من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام. استكبر فرعون وعلا في الأرض وكان من الكافرين، فحاجّه موسى والسحرة وهزمهم أجمعين بإذن الله رب العالمين، فآمن معه السحرة وخروا لربهم ساجدين.

فقال فرعون إنه لكبيركم الذي علمكم السحر، وإنكم لمعبد. فكان السحرة أول من آمن مع موسى عليه السلام من الملأ أجمعين. وظل فرعون وقومه على عنادهم وكبرهم وكفرهم وطغيانهم وجحودهم نعمة الله عز وجل.

ابتلاهم الله عز وجل بسبب جحودهم.

فاستخف فرعون قومه فأطاعوه حتى ابتلاهم الله عز وجل لعلهم يرجعون.

  • فما هي الابتلاءات التي ابتلاها الله عز وجل لفرعون وقومه؟
  •  وما قصة الضفادع ونهر الدم؟
  • وكيف شق موسى البحر بأمر الله عز وجل؟
  •  وكيف غرق فرعون في اليم؟

كان أول بلاء نزل بفرعون وقومه هي السنين، وهي أعوام جدب وقحط وجوع، فهلكت الزروع وماتت الماشية. كما قال ربنا تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} فلما جهدهم ذلك وأتعبهم، قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك يا موسى ولنرسلن معك بني إسرائيل.

فدعا موسى عليه السلام ربه عز وجل، فكشف الله تعالى عنهم ما وقع بهم، وعادت الخيرات وزادت الثمرات مرة أخرى، ولكنهم لم يفوا لموسى عليه السلام بوعدهم، وظلوا على كفرهم وعنادهم.

قال الله تبارك وتعالى: "فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ". فأرسل الله عز وجل عليهم الجراد فأكل زروعهم ودمر محاصيلهم، وقيل: إنه كان يأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم.

فذهبوا إلى موسى يسألونه أن يدعو لهم، فدعا ربه عز وجل فكشف عنهم العذاب وذهب الجراد، ولكنهم مع ذلك ظلوا على كفرهم وعنادهم وكبرهم وجحودهم. فأرسل الله عز وجل عليهم عذابًا وبلاءً آخر وهو القمل، وهي حشرات صغيرة، وقيل: بل السوس الذي يخرج من الحنطة، وقد سلطه الله عز وجل على البيوت والأطعمة.

حينها ذهبوا إلى موسى ثانية وثالثة وسألوه أن يدعو لهم، فدعا ربه عز وجل فكشف عنهم، ولكنهم ظلوا على كفرهم وعنادهم. ثم ابتلاهم الله عز وجل ببلاء آخر، فأرسل الله تعالى عليهم الضفادع فملأت بيوتهم وأطعمتهم وأوانيهم، حتى قيل: إن أحدهم إذا فتح فمه لطعام أو شراب سقطت فيه ضفدعة من تلك الضفادع. فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك بأن يكشف عنا العذاب، فكشف الله عز وجل عنهم العذاب، ولكنهم كما هي عادتهم ظلوا على كفرهم وعنادهم.

فأرسل الله عز وجل عليهم الدم، فصارت مياه آل فرعون دمًا، لا يستقون من بئر ولا نهر ولا يغترفون من إناء إلا صار دمًا. قال الله تعالى: "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ". فقد كان آل فرعون كلما رأوا آيةً وبلاءً واختبارًا جهدهم ذلك وتعبهم، أقسموا عهد موسى لأن كُشف عنهم هذا الرجز والعذاب والعقاب ليؤمنن به ولسن مع بني إسرائيل، فكلما رُفعت عنهم تلك الآية عادوا إلى كفرهم وضلالهم وأعرضوا عن الحق والإيمان. 

فيرسل الله عز وجل عليهم الآيات يتبع بعضها بعضًا، وكل آيةٍ أكبر وأشد من التي قبلها، فيكذبون ويكفرون ويعاندون، ثم يعْدُون ولا يوفون. قال ربنا تبارك وتعالى: "وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ". وقالوا: يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون.

فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون. فإذا جاءتهم الحسنة، أي إذا جاءتهم العافية والخصب والرخاء وكثرة الثمار، قالوا لنا هذه، أي نحن أولى بها، وهذا هو الذي نستحقه ويليق بنا. وإن تصبهم سيئة من جدب وقحط وبلاء يطيروا بموسى ومن معه، أي إنهم يتشاءمون حينها ويقولون: ذهب الرخاء والخصب والعافية منذ أن جاءنا موسى، ألا إنما طائرهم عند الله، ولكن أكثرهم لا يعلمون. 

وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين، أي ولو جئتنا بكل آية ومعجزة يا موسى فلن نؤمن لك ولن نتبعك. وعن فرعون قال الله عز وجل: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ}. فبعد أن تمادى آل فرعون في كفرهم وعنادهم واستكبارهم، وبنو إسرائيل الذين آمنوا مع موسى عليه السلام يتحملون ويصبرون.

وقيل إن طائفة من القبط المصريين من قوم فرعون قد آمنوا بموسى عليه السلام، وقد كان إيمانهم خفية وسرًا خوفًا من فرعون وجبروته أن يفتنهم عن دينهم والإيمان. وأمر موسى عليه السلام قومه بالتوكل على الله عز وجل والاستعانة به.

وأوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى وأخيه هارون عليهما السلام أن يتخذا لقومهما بيوتًا مميزة عن بيوت القبط المصريين ليعرف بعضهم بيوت بعض، وليكونوا مستعدين للرحيل إذا أمروا به. وأمرهم أن يجعلوا بيوتهم مساجد ويكثروا فيها من الصلاة.

قال الله تبارك وتعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}. وقيل إن كليم الله موسى عليه السلام دعا على عدو الله عز وجل دعا على فرعون بدعوة عظيمة غضبًا لله عز وجل فقال: {رَبَّنَا إِنَّهُمْ لَيُضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}.

فقد قيل إن زروعهم وأموالهم صارت حجارة فاستجاب الله تعالى تلك الدعوة وتقبلها قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون.

يتبع...

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال